تطل علينا مجددًا ذكريات العظمة والبطولة والشجاعة والإباء والمجد الذي سطره أبناء اليمن، حين أعلنوا عن رفضهم لبقاء المحتل الأجنبي، الذي سرق بلادهم في لحظة من غفلة التاريخ، بل من غفلة الناس في القرن التاسع عشر.
فبعد قرن من الاحتلال، ظن الاستعمار البريطاني أنه قد أخضع اليمنيين لسلطانه، لكن مرارة الذل ظلت شوكة في حلوق اليمنيين، لم يستسيغوا حياة أو عيشًا؛ حتى يطردوا المستعمر. وهبوا فرادى وجماعات ليجعلوا كلفة بقاء الاستعمار باهظة عليه... حتى جاء الرابع عشر من أكتوبر 1963م، ليمثل تتويجاً لمرحلة سابقة من النضال والكفاح والجهاد.
اليمنيون الذين رفضوا الاستعمار البريطاني هم أنفسهم الذين رفضوا الاستعمار الفارسي منذ خمسة عشر قرنا، ورفضوا الاستعمار الحبشي، وهم أنفسهم اليوم الذين يرفضون الاستعمار الفارسي الجديد الذي يتستر بلباس عملاء فارس .
لقد جاء إعلان الكفاح ضد الاستعمار البريطاني في 14 أكتوبر، من صنعاء، بعد أقل من سنة من تحررها من ظلم الكهنوت الإمامي، فصافحت صنعاء عدن، ومدت يدها إليها، وانطلقت قوافل الأحرار من تعز، ومثلت صنعاء وتعز وغيرها من المحافظات المحررة سندًا كبيرًا لإخوتهم في عدن والضالع ولحج وأبين وشبوة.
صنعاء إذا ابتسمت فلا بد أن تبتسم عدن، وكذلك عدن إذا ابتسمت فلا بد أن تبتسم صنعاء. وها هي عدن اليوم ترد الجميل، فبعد تحررها تقف شامخة تسهم في تحرير صنعاء من أحفاد المستبدين، الذين لا يجيدون إلا تفجير المساجد، وهدم المنازل، وتهجير الساكنين، وسفك الدماء، واختلاس الأموال، ونهب الخزائن.
لن يطول بقاء صنعاء في الأسر، ولن يطول وقوف عدن وحيدة دون أختها... ففي الذكرى الرابعة والخمسين لتحرير عدن من الاستعمار البريطاني، يجد اليمنيون أنفسهم صفًا واحدًا قد أقسموا على هزيمة الفرقة والشتات، وتعاهدوا على نبذ العصبية ودحرها، قلوبهم واحدة، وصفهم واحد، وعدوهم واحد، ربطوا مصير بعضهم ببعض، ينشدون الدولة اليمنية المستقرة، والمعيشة الكريمة، تحت ظلال قانون يتساوى فيه الجميع، وتتكافأ فرصهم .